يشهد فن العيطة تحولا استثنائيا في موقعه داخل الوجدان العربي، وذلك من خلال المشروع الفني والثقافي الذي يقوده الفنان والباحث المغربي نسيم حداد، والذي يحمل عنوان Ayta World Tour.
وقد تمكنت إحدى أغانيه الأخيرة، المستوحاة من فن العيطة المغربي، من تصدر الترند الرقمي في عدد من الدول العربية مثل السعودية، الإمارات، مصر، السودان، قطر، ولبنان، بالإضافة إلى المغرب، ما يؤشر على تحول حقيقي في تلقي الجمهور العربي لهذا التراث المغربي الشفهي، الذي ظل طويلا حبيس الإطار المحلي.
ويأتي هذا النجاح في سياق مشروع متكامل، لا يكتفي بتقديم العيطة كتراث غنائي، بل يسعى إلى إعادة بنائها كمجال حي وفاعل، من خلال ثلاث مكونات أساسية: عروض مسرحية غنائية كبرى في عدد من أهم المسارح العالمية، كـ Grand Rex في باريس، وOpéra Berlioz في مونبلييه، والمسرح الملكي في أمستردام، حيث تمتزج العيطة بالأداء المسرحي والبصري.
إصدار موسوعي بعنوان “موسوعة العيطة”، يرتقب صدوره في شهر شتنبر المقبل، ويتناول هذا الفن بتحليل علمي-جمالي شامل.
معرض متنقل يعيد الاعتبار للآلات الموسيقية التقليدية المغربية، ويؤرخ لتطور الأداء الشعبي في أبعاده الموسيقية والرمزية.
وفي هذا السياق، يستعد نسيم حداد لإحياء سهرة فنية كبرى يوم السبت 5 يوليوز 2025 بالساحة الكبرى لموروكو مول في الدار البيضاء، توصف بأنها أكبر سهرة لفن العيطة في تاريخ المغرب، سواء من حيث عدد الحضور، أو الفضاء المفتوح، أو البعد المسرحي والبصري الذي سيرافق العرض.
ويرتقب أن تستقطب هذه السهرة آلاف المتفرجين من مختلف الفئات العمرية، في لحظة استثنائية تعيد تقديم فن العيطة داخل الفضاء العمومي الحضري، بشروط إنتاج فني معاصر، يزاوج بين الأصالة والتجديد.
يذكر أن نسيم حداد، إلى جانب نشاطه الفني، هو دكتور في الفيزياء النووية، وقد اشتغل سابقا ضمن تجربة ATLAS داخل مركز الأبحاث النووية العالمي CERN، وشارك في أكثر من 600 بحث علمي منشور، قبل أن يكرس جهوده لإعادة الاعتبار لذاكرة المغرب الفنية.
ولا يمثل نجاحه الرقمي والميداني مجرد ظاهرة عابرة، بل هو تراكم رمزي وثقافي يعيد للفن المغربي العمق الذي يستحقه، ويبرهن على أن الأجيال الجديدة لا تفتقر إلى الذوق، بل إلى الخطاب الفني الصادق، والمقترح الجمالي الذي يخاطبها بذكاء واحترام.
وقد شكلت تجربة حداد نموذجا متميزا في إيصال الصوت المغربي إلى الخارج، دون تجميل أو تكييف، حيث وصلت أغانيه إلى الجمهور العربي بلغتها الأصلية ولهجتها التراثية، ووجدت تجاوبا كبيرا عبر عنه المستمعون، رغم اختلاف اللهجة أو الخلفية، وهو ما يبرز القوة الرمزية الكامنة في التراث حين يقدم بروح فنية عميقة وأصيلة.
تعليقات
0