
في قلب الشاوية، وعلى مشارف مدينة سطات، يقف ضريح سيدي لغنيمي شاهدًا على إرث روحي وثقافي يمتدّ لعقود طويلة. موسم هذا الولي الصالح، الذي تحوّل إلى ملتقى سنوي للحجاج والزوار والفنانين والتجار، أصبح اليوم أمام تحديات كبيرة تهدّد أصالته. فما الذي تبقّى من «موسم سيدي لغنيمي»؟ وكيف يمكن إعادة الاعتبار له كجزء من هوية مدينة سطات وتاريخها الحيّ
ففي زمن تتعالى فيه الأصوات المنادية بصون الذاكرة الجماعية والحفاظ على الموروث الثقافي، يعيش موسم سيدي لغنيمي بمدينة سطات حالة أشبه بالتخلي والنسيان، بعدما كان لعقود محطة بارزة تشهد على غنى المنطقة وتنوعها الثقافي والفني، وتحافظ على صلة الأجيال بجذورهم وهويتهم.

من موروث شعبي إلى ذكرى منسية
يعد موسم سيدي لغنيمي من أقدم المواسم الشعبية التي ارتبطت باسم الولي الصالح سيدي لغنيمي، وكان يشكل لعقود فضاءً سنويًا يلتقي فيه الأهالي والزوار من مختلف مناطق الشاوية ودكالة وعبدة. كانت الساحات تضج بزغاريد النساء وهدير الخيول وطلقات البارود في عروض الفروسية (التبوريدة)، فيما تتحول الخيام إلى مجالس للفن الشعبي والحكاية والفرجة.
لكن مع مرور السنوات، بدأ هذا الرصيد يتآكل بفعل غياب رؤية واضحة لإنعاشه وتأطيره وتطويره بما يحافظ على أصالته ويواكب تطلعات الساكنة والزوار.

تهميش رغم الإمكانيات
لم يعد الموسم يحظى بالدعم اللازم من المؤسسات المنتخبة أو المجالس المحلية، في ظل غياب استراتيجية حقيقية لجعل هذا الحدث نقطة جذب سياحية وثقافية للمدينة. وتحولت فعالياته القليلة إلى مجرد طقوس بروتوكولية أو لقاءات عابرة لا تليق بسمعته التاريخية.
ويؤكد بعض الفاعلين الجمعويين أن هذا الإهمال أسهم في اندثار الكثير من عناصر التراث المحلي المرتبط بالموسم، من أهازيج وفنون شعبية وأكلات تقليدية وصناعات يدوية، كانت تجد في الموسم فضاءً لترويجها ونقلها للأجيال.

شهادات من قلب الحدث
يقول أحد أبناء المنطقة في تسريح مع جريدتنا الالباب 360 : “كنا ننتظر موسم سيدي لغنيمي كل عام لنلتقي بالأقارب ونحتفي بتراثنا، واليوم لا نكاد نسمع بموعده إلا عبر إشاعات، بعدما كان قبلة للفرسان والفرق الشعبية والتجار”.
أما أحد المثقفين المحليين فيرى أن إقبار هذا الموسم هو إقبار للذاكرة المشتركة: “الأمر لا يتعلق بمهرجان او ملتقى عابر، بل برمز ثقافي واجتماعي كانت له أبعاد روحانية واقتصادية كذلك، فقد كان يشكل رواجا تجاريا للمنطقة وفرصة لتثمين منتجاتها المحلية”.

أسئلة مطروحة وإرادة غائبة
أمام هذا الوضع، يطرح المتتبعون عدة أسئلة: لماذا تتراجع مثل هذه التظاهرات رغم تأكيد الخطابات الرسمية على أهمية التراث اللامادي؟ أين دور المجالس الجماعية والجهات الوصية في إنقاذ موسم سيدي لغنيمي من التلاشي؟ وهل يمكن إعادة الروح إليه ببرمجة حديثة تحافظ على جوهره وتستقطب الأجيال الجديدة؟
في وقت تعيش فيه سطات على وقع تحولات عمرانية وتنموية، يظل الموسم شاهدًا صامتًا على الإهمال الذي يطال بعض مقومات الهوية الثقافية للمدينة. فهل من التفاتة حقيقية لإعادة الاعتبار لموسم سيدي لغنيمي وصيانته من النسيان؟ أم سيظل حبيس الذاكرة الجماعية إلى أن يختفي دون أن يجد من يوثق له ويحكيه؟..




تعليقات
0