فبين أمجاد الماضي وأوجاع الحاضر، مدينة تبحث عن ذاتها

كانت سطات، الواقعة في قلب المغرب، عاصمة للشاوية ومنبعًا للتاريخ والكرامة، مدينة امتزجت فيها الأصالة بالحضارة، واحتضنت بين أزقتها حكايات مقاومين، وعلماء، وفلاحين نقشوا أسماءهم في الذاكرة الوطنية، لكن المدينة التي كانت يومًا منارة ثقافية وزراعية تشهد اليوم تحولات متسارعة لا تخلو من مظاهر الإهمال والتراجع في شتى المجالات، مما يطرح أسئلة حارقة حول حاضرها ومستقبلها.
سطات.. لمحة من المجد والتاريخ
سطات ليست مجرد نقطة على خارطة المغرب، بل مدينة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، فقد لعبت أدوارًا محورية في مقاومة الاستعمار الفرنسي، وكانت قلعة من قلاع الوعي الوطني، ازدهرت خلال سنوات الاستقلال الأولى كمركز حضري متقدم، بفضل موقعها الاستراتيجي بين الدار البيضاء ومراكش، واحتضانها لأهم الأسواق الفلاحية في البلاد.
عُرفت سطات بجودة منتجاتها الزراعية، وبتنوعها الثقافي والاجتماعي، كما كانت ولا تزال تحتضن جامعة الحسن الأول، مما أضفى عليها طابعًا أكاديميًا ساهم في تكوين نخب علمية وسياسية بارزة.

حاضر المدينة.. مفارقات مؤلمة
لكن ما يثير الاستغراب اليوم، هو التراجع المهول الذي تعيشه سطات في عدة مجالات:
• التحول العمراني العشوائي: بدل أن يكون التوسع العمراني مدروسًا، طغت العشوائية على تخطيط المدينة، ما أفقدها جمالها المعماري وخصوصيتها المجالية.
• إهمال التراث : معالم تاريخية كموسم “سيدي لغنيمي” وأزقة المدينة القديمة لم تحظ بالعناية اللازمة، وتحولت إلى فضاءات مهمشة، في الوقت الذي تُستثمر فيه مدن أخرى في تراثها لجذب السياح والاستثمارات.
• تراجع الخدمات الأساسية: البنية التحتية تعرف تقهقرًا، والمرافق العمومية لا تواكب حاجيات ساكنة المدينة التي تعرف توسعًا ديمغرافيًا مستمرًا.
• جفاء التنمية الاقتصادية: رغم الإمكانات الفلاحية والجامعية، ما تزال المدينة تفتقر لمشاريع اقتصادية كبرى تضمن فرص شغل لشبابها، وتحد من الهجرة نحو الدار البيضاء أو الرباط.

أصوات من الميدان: من المسؤول؟
يرى العديد من الفاعلين المحليين أن هذا الوضع هو نتيجة “سوء الحكامة”، وغياب رؤية استراتيجية واضحة لتأهيل المدينة، كما يُسجَّل ضعف في انخراط النخب السياسية والاقتصادية في الدفاع عن مصالح سطات، مقابل حيوية وتكتل المدن المجاورة.

وفي تصريح خاص لأحد أساتذة الجامعة بالمدينة، يقول:
”سطات ليست فقيرة، ولكنها مهمشة سياسيًا وإداريًا.. لدينا الجامعة، الأراضي الخصبة، والموقع الممتاز، لكن نفتقد لمن يوظف هذه المؤهلات لصالح التنمية“.
أي مستقبل لسطات؟
المدينة التي ألهمت تاريخ الشاوية، وخرج من رحمها مثقفون وسياسيون بارزون، تستحق أكثر من مجرد خطابات مناسباتية. إنها بحاجة لصحوة حقيقية، يشارك فيها الجميع من سلطات، المجلس الترابي، وفعاليات مدنية، ومثقفين، وسكان غيورين على مدينتهم.
ربما لا تزال الفرصة قائمة ليعود لسطات إشعاعها ومكانتها، ولكن ذلك لن يتحقق إلا بقرارات شجاعة ومشاريع ملموسة تضع الإنسان في صلب التنمية، وتحترم ذاكرة المكان




تعليقات
0