
مع اقتراب 31 أكتوبر 2025، الموعد الذي ستعود فيه قضية الصحراء المغربية إلى طاولة مجلس الأمن، يجد المغرب نفسه في لحظة فارقة: شباب يصرخون بمطالب مشروعة في الشارع، وخصوم يتربصون لالتقاط أي صورة أو حادثة وتحويلها إلى ورقة ضغط دولية. لكن خلف هذه اللحظة الحساسة تكمن مسؤولية داخلية لا يمكن التهرب منها: حكومات متعاقبة وعدت بالإصلاح، لكنها أخفقت في تحويل وعودها إلى واقع يلمسه المواطن.
شباب يطالبون… وحكومات تتجاهل
الاحتجاجات التي شهدتها مدن المغرب مؤخراً لم تنبت فجأة، بل كانت حصيلة سنوات من سياسات عمومية عاجزة عن توفير فرص الشغل، أو رفع جودة التعليم والصحة، أو تقليص الفوارق المجالية. الحكومات المتعاقبة، رغم رفعها لشعارات التنمية والعدالة الاجتماعية، تركت فجوة واسعة بين الخطاب والواقع.
في هذا الفراغ، وجد الشباب أنفسهم محاصرين بالبطالة وغلاء المعيشة وضعف الخدمات، ليخرجوا إلى الشارع بحثاً عن صوت مسموع، لا عن فوضى ولا عن أجندات خارجية.
التقصير الحكومي: الحلقة الأضعف
الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن أكبر خدمة تُقدَّم لأعداء الوحدة الترابية ليست في خروج مظاهرة سلمية، بل في استمرار السياسات الحكومية غير القادرة على الاستجابة لمطالب الناس. فحين يفقد المواطن الثقة في قدرة المؤسسات على الإصلاح، تصبح الساحة مفتوحة أمام الاستغلال الإعلامي الخارجي.
الخصوم لا يصنعون الأزمة، بل يقتاتون على أخطاء الداخل: بطالة لا تجد حلولاً، مشاريع متعثرة، وقرارات ترقيعية بدل إصلاحات هيكلية.
الأجهزة الأمنية ليست أصل الأزمة
كثيرون يختزلون النقاش في كيفية تعامل الأجهزة الأمنية مع الاحتجاجات، لكن جوهر القضية أبعد من ذلك. فحتى لو تم التعامل بحكمة وسلاسة، يبقى السؤال الأعمق: لماذا خرج الشباب أصلاً؟. الإجابة تعود إلى فشل حكومي مزمن في فتح قنوات حوار جدية مع الفئات المتضررة، وتبني سياسات تشغيل حقيقية، وتنمية متوازنة تشمل جميع الجهات. هنا يكمن الخلل الذي يغذّي الشارع، ويمنح خصوم المغرب مادة مجانية لاستغلالها على الساحة الدولية.
الإعلام الوطني بين الضعف والفرصة
الإعلام المغربي، الرسمي والمستقل، يقف أمام امتحان لا يقل صعوبة. فبينما تضخم المنصات المعادية أي حادث وتقدمه كدليل على أزمة شاملة، يتعثر الإعلام الوطني في نقل الصورة بوضوح ومهنية. ضعف الخطاب الإعلامي الوطني وعدم قدرته على كشف مكامن الخلل في السياسات العمومية يترك المجال مفتوحاً أمام السرديات الخارجية.
الحل ليس في التبرير أو التلميع، بل في صحافة استقصائية جريئة تكشف مواطن الخلل الداخلي بقدر ما تدافع عن المكتسبات الوطنية في الخارج.
دروس ما قبل 31 أكتوبر
الاحتجاجات الأخيرة تعطي للمغرب درسين متوازيين:
- الأول، أن الشباب المغربي واعٍ بمطالبه ويستحق الاستماع والإنصات الجاد.
- الثاني، أن تجاهل هذه المطالب أو الاكتفاء بالحلول الترقيعية سيظل نقطة ضعف يستغلها خصوم المغرب في أي محفل دولي.
فالخطر الحقيقي ليس في الاحتجاج السلمي، بل في العجز عن تحويله إلى قوة إصلاحية عبر سياسات حكومية مسؤولة.
من الاحتجاج إلى الإصلاح
المغرب لا يواجه خصومه الخارجيين في مجلس الأمن فقط، بل يواجه قبل ذلك خصومه الداخليين: البيروقراطية، الوعود الفارغة، وانعدام الجرأة في الإصلاح. الشباب اليوم لا يطلب المستحيل، بل يطالب بفرص عمل، بتعليم ذي جودة، بخدمات صحية لائقة، وبإشراك حقيقي في القرار.
وإذا لم تتحرك الحكومة بما يكفي، فإن الاحتجاجات ستتكرر، والاستغلال الخارجي سيتواصل. الدرس واضح: الحل في الإصلاح الحقيقي، لا في الإنكار ولا في القمع ولا في التسويف.
تعليقات
0