
تحقيق: جريدة الألباب 360
في الأسابيع الأخيرة، لم يعد في وسائط التواصل الاجتماعي حديث يعلو على الجدل الدائر حول الولاية الرابعة للسيد إدريس لشكر على رأس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وكأن الحدث كان صدمة سياسية أو مفاجأة من العيار الثقيل.
لكن، واقع الحال – كما يؤكده متتبعون – لا يحمل أي عنصر مفاجأة، فالمؤتمر الأخير للحزب جرى وفق ترتيب محسوم النتائج سلفًا، شأنه شأن أغلب المؤتمرات الحزبية في المغرب، حيث يتم إعداد الأرضية مسبقًا لتكريس نفس القيادات التي تحكمت في مفاصل التنظيم منذ سنوات.
المشهد المكرر: من لشكر إلى أوزين
المتتبع للمشهد الحزبي المغربي لا يجد صعوبة في اكتشاف النمط نفسه. فقبل لشكر، كان الدور على محمد أوزين في حزب الحركة الشعبية، الذي كان وصوله إلى الأمانة العامة مجرد تحصيل حاصل. فكل المؤشرات كانت تؤكد أن الحزب يعيش مرحلة إعداد مُمنهج لانتقال ” ناعم“ للقيادة، تمّ وفق توازنات داخلية تراعي استمرارية النخبة القديمة بصيغة جديدة.
السيناريو ذاته نُسخ تقريبًا في حزب التقدم والاشتراكية، حيث جدّد المؤتمر الثقة في نبيل بنعبد الله، رغم مرور أكثر من عقدين على توليه القيادة، في وقت يرى فيه بعض الغاضبين داخل الحزب أن التجديد بات شعارًا للاستهلاك أكثر منه ممارسة فعلية.

العودة إلى الزعامة: بنكيران نموذجًا
ولعل أبرز ما يعكس حالة ” الركود القيادي“ داخل المنظومة الحزبية المغربية هو عودة عبد الإله بنكيران إلى قيادة العدالة والتنمية، بعد تجربة انتخابية قاسية للحزب سنة 2021. فبدل ضخ دماء جديدة في التنظيم، اختار الحزب العودة إلى الماضي، وكأن الحل في الرجوع إلى ما قبل الأزمة، لا في تجاوزها.
أما في حزب الاستقلال، فتبدو الأمور أكثر هدوءًا من حيث الشكل، لكن المنطق ذاته يحكم الكواليس: نزار بركة كان خيارًا محسوماً قبل انعقاد المؤتمر، ضمن ترتيبات دقيقة تشرف عليها ” نخبة النخبة“ في قمة الهرم التنظيمي، حيث تُوزَّع المناصب والتزكيات بعناية تضمن استمرارية التوازنات.
يسار مشتت ويمين مهيمن
على الضفة اليسارية، الاشتراكي الموحد يعيش وضعًا مختلفًا في الشكل، لكنه متقاطع في الجوهر. فالحزب، الذي رفع شعار الديمقراطية الداخلية، لم يتردد في التضحية بعدد كبير من مناضليه بسبب الخلافات الداخلية، لتبقى القيادة النسائية الأولى فيه متمسكة بخياراتها رغم كلفة الانشقاقات. في المقابل، يمضي التجمع الوطني للأحرار بخطى واثقة في الحفاظ على زعامة عزيز أخنوش، التي لا تمر لا عبر صناديق اقتراع ولا تصويت داخلي، بل عبر منطق الثقة والاستمرارية المرتبطة بالموقع الحكومي والرمزية الاقتصادية.
أما الأصالة والمعاصرة، الذي حاول تقديم نفسه كاستثناء عبر” القيادة الجماعية“، فيُتهم من طرف مراقبين بأنه استثناء مكشوف أكثر مما هو ديمقراطي، إذ يظل القرار الحقيقي محصورًا في دائرة محدودة جدًا داخل الحزب.
أحزاب ”الأصول الخاصة “
بعيدًا عن الأضواء، تعيش عشرات الأحزاب الأخرى على الهامش، لا حضور لها سوى في فترات الانتخابات، حيث تتحول إلى” مشاريع شخصية“ أو ”أصول تجارية“ لمؤسسيها. زعامات أبدية، ومقرات مغلقة، وبرامج انتخابية متشابهة لا تتجاوز الشعارات العامة.
خبراء: السياسة فقدت جوهرها
في تصريح لجريدة الألباب 360، يؤكد أحد الباحثين في العلوم السياسية أن ما نراه اليوم هو ” نتيجة تراكمات طويلة في بنية الأحزاب التي لم تعرف التحول الحقيقي منذ عقود“. ويضيف أن “المشهد الحزبي المغربي يعيش أزمة قيادة وأزمة فكرة، حيث تتغلب الحسابات التنظيمية والشخصية على الرهانات المجتمعية، مما يجعل أي حديث عن التداول أو الديمقراطية الداخلية أقرب إلى الاستثناء منه إلى القاعدة”.
أزمة تمثيلية أم أزمة وعي سياسي؟
أمام هذا الواقع، يبدو أن الضجيج الذي يملأ الفضاء الافتراضي حول” ولاية لشكر “ أو ” زعامة أوزين“ لا يعدو أن يكون انعكاسًا لأزمة أعمق: غياب الثقة في العمل الحزبي. فالجمهور المغربي لم يعد ينتظر الجديد من مؤتمرات تُدار بالتحكم والتوازنات، بقدر ما ينتظر من يملك الجرأة على كسر النمط، وتجديد الفكر، وبناء مشروع سياسي يستجيب لتحولات المجتمع وتطلعات الشباب.
الخلاصة
الضجيج السياسي الذي نعيشه اليوم لا يخفي الحقيقة المؤلمة: الأحزاب المغربية ما زالت، في معظمها، تعيد إنتاج الوجوه نفسها بنفس الخطاب، في وقت يحتاج فيه المغرب إلى فكر جديد وقيادات جديدة قادرة على صناعة المبادرات لا إعادة تدويرها.




تعليقات
0